ما دفعني الى كتابة هذه السطور هو اعتراض بعض الأصدقاء الأعزاء على كلامي بخصوص هيئة كبار العلماء في السعودية و (و الذين وصفتهم صراحة بانهم تجار أفيون و ما زلت عند هذا الرأي) التي حرمت و بدعت الخروج في المظاهرات لأنه شكل من أشكال الخروج على الحاكم. و هنا سأستعرض حججي و مبرراتي في نقض هذا القول في شكل نقاط محددة (غير مرتبة حسب الأهمية ) للرد على هذه المزاعم ؛ ليس من وجهة نظر دينية في المقام الأول و لكن بمحاولة طرح تساؤلات كثيرة تدور في بالي و طرحها غيري من اهل الفهم و احاول ان ادلل ان هذا القول و تناقضه مع ابسط حقوق الإنسان بل و تناقضه مع الشريعة الإسلامية التي يستندون اليها أصلا هو احد المخاطر التي تحيط بنا بل و بالدين في حد ذاته.
أولا: لست هنا في مقام الحديث عن آراء كثير من المشايخ أو أهل العلم بخصوص الخروج على الحاكم لأنني ببساطة لا أعتبر أن قيام ثورة يعد خروجا على الحاكم بالشكل التقليدي الذي يحاول علماء السلطان وضعنا في إطاره. و لكن يجب ذكر أن ممن تكلموا في هذا الشأن قالوا أن المقصود بالخروج هو الخروج المسلح على الحاكم او بمعنى آخر الدعوة الى ما يشبه إنقلاب دموي تسيل فيه دماء الأبرياء و غير الأبرياء من المسلمين و غيرهم و هو ما لم يحدث في مصر و ما لم تدعوا اليه القوى المعارضة في السعودية او في تونس او اليمن او ليبيا. لم يقل أحد هنا او هناك بالنضال المسلح أو أن تكون مواجهة عسكرية و لا أذكر أنه في أي نقطة من النقاط تم ذكر السلاح أو القتل .. حتى في ليبيا فإن بداية الموضوع كانت مظاهرات داعية الى تنحي الطاغية القذافي ثم ما لبثت ان تحولت الى مواجهات عسكرية بين الثوار و قوات القذافي بعد أن اراق القذافي دماءهم على يد مرتزقة و منتفعين من حكمه. و ربما لولا حكمة الجيش في مصر و موقفه الوطني لما تورع مبارك و حاشيته ان يفعلوا بالمصريين ما هو أسوأ من فعل القذافي بالليبيين. طبعا الفقه التقليدي مازال متأثرا بالكثير من المؤامرت التي حيكت على مدار التاريخ الإسلامي لإسقاط دولة او حكم أسرة معينة و ما تبع بعضها من إراقة دماء و ربما إضعاف للدولة الإسلامية بما أغرى اعداءها فيها و لم يستوعب هذا الفقه التقليدي حتى يومنا هذا فكرة الثورات و الاعتراضات السلمية على الحاكم و الدعوة الى تنحيه أو أن يغور في ستين داهية تاخده خصوصا في ظل عدم وجود نظام ديموقراطي محترم يسمح بداية بانتخاب الرئيس و بسحب الثقة منه او غيرها من الآليات اللي ممكن تحاسبه و تخليه يمشي على العجين
ثانيا: الاستطاعة ،يدعي أصحاب الفقه التقليدي (السلطاني) اهمية وجود الاستطاعة اذا ما أراد الناس ان يخرجوا على الحاكم ، طيب دعونا نمشي على خطاهم في هذا الفكر و نعتبر أن الثورات ما هي الا خروج على الحكام ، ما مفهوم الإستطاعة أصلا؟ هل هو السلاح أو القدرة العسكرية؟ اذا كان السلاح فإن الثورات التي قامت مؤخرا في الشرق الأوسط او العالم العربي او الإسلامي سمه ما شئت لم تكن مسلحة و بالتالي ففكرة الاستطاعة العسكرية ليست محل نقاش هنا و هو ما يعيدنا الى النقطة الأولى أن الثورات ليست خروجا على الحاكم. أم أن الاستطاعة يقصد بها توفر العدد اللازم من البشر المؤيدين لاسقاط النظام .. يمكن وصف الاستطاعة هنا بان تكون متآمر و أهبل .. يعني يجب ان يقوم الناس بعمل تعداد للمشاركين في الثورة و ينظروا فإذا كان العدد يساوي او يزيد عن النصاب (و هو نصاب وهمي لا يعرفه احد بمن فيهم الحاكم نفسه) فالخروج ممكن. اذا فالاستطاعة هنا شرط غريب ربما يكون معجزا كحال المادة 76 من الدستور المعطل و اللي كان ناقص تقول على ان يحتوي اسم الرئيس على أحد الكلمات التالية مجتمعة محمد حسني مبارك . أم أن الاستطاعة هي القدرة على إدارة امور البلاد بعد زوال الطاغية الغير مبكي عليه ؟ و بطاع لا داعي لذكر ان تلك البلاد كلها فيها من يستطيعون ادارة الامور بطريقة احسن مليون مرة من حاكمها الطغاة.
ثالثا: يبدو أن البعض و خصوصا علماء السلطان يقرأون القرآن و مثلهم في ذلك كمن قال فيهم تبارك و تعالى كالحمار يحمل أسفارا ، ذكر اسم النبي موسى عليه السلام في القرآن 136 مرة و سميت اطول سور القرآن بالبقرة و هي واحدة من أهم احداث قصة موسى عليه السلام ، طيب ليه ؟؟ ايه الحكمة يعني من ذكر هذه القصة و ذكر تفاصيل كثيرة جدا عنها في مواضع كثيرة في القرآن الكريم ؟ هي المشكلة الوحيدة في فرعون انه كان كافر ؟ او انه ادعى الألوهية ؟ طيب ما النمروذ و هو الذي أمر بالقاء سيدنا ابراهيم في النار كان يدعي الالوهية هو الآخر ؟ لماذا لم يتناول القرآن قصة ابراهيم معه بالتفصيل الذي حدث في قصة سيدنا موسى ؟ طيب هل أهم مطالب سيدنا موسى من فرعون ان يؤمن بالله ؟ و لا رفع الظلم عن بني اسرائيل ؟ ده حتى الفعل تفرعن اصبح دلالة على الطغيان و ليس دلالة على الكفر في المقام الأول .. طيب هو لما أراد أن يخرج ببني اسرائيل من مصر اصبح خارجا على الحاكم ؟ حد ممكن يقول بس الخروج على الحاكم الكافر واجب .. طيب و من قال أن حاكم او عزيزمصر في وقت سيدنا يوسف كان مؤمن؟ سيدنا يوسف رضي أن يكون في وزارة حاكم مصر او عزيزها على اختلاف مفهوم العزيز وقتها و الرجل لم يكن مؤمنا بالله ؟ بس الراجل لم يكن طاغية و لما يوسف خرج من السجن سأله عن حكايته و إن كانت امرأة العزيز في أول امرها مخطئة و طاغية و مستغلة لسلطتها .. يعني الاعتراض او على الحاكم ليس بحرام كما يحاول مشايخ الفقه التقليدي (الموالس) ان يقنعونا و ليست مسألة الكفر هي المقياس الوحيد في مسألة الخروج او الطاعة . و بالتالي فكرة ان الخروج يكون على الحاكم في حال كفره مردود عليها و فكرة غير سليمة باطلاقها هذا بافتراض ان الثورة هي خروج على الحاكم اصلا
رابعا: لما سيدنا الحسين (و هو سبط النبي عليه الصلاة و السلام ) ثار على يزيد بن معاوية كان غلط ؟ طيب ده مبشر بالجنة و الدليل الحديث المعروف و المتواتر عن ان الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة .. ألم يسأل أحدكم نفسه لماذا لا نعرف سوى القليل او ربما لا شيء عن واقعة كربلاء؟ لماذا لا نعرف الكثير عن الحسين أصلا ؟ ده احنا نعرف عن عمر بن عبد العزيز و الذي اتى بعده بسنين عديدة كثير جدا مقارنة بالحسين ؟؟ لماذا لا نعرف بالتفصيل اسباب مقتل الحسين و مثلت بجثته ؟ الحجة المعروفة انها فتنة و لا يجب الحديث عنها ( غلوشة يعني) . لماذا حدثت واحدة من أكبر عمليات التعتيم الاعلامي و التاريخي على هذه الواقعة ؟ لماذا تجرأ البعض من فقهاء الصحراء بأن جعلوا الحسين مخطأ عندما ثار على يزيد ؟ لماذا تأسس الفقه التقليدي (للاسف) على فكرة طاعة ولي الأمر و اعتبره البعض من عقيدة أهل السنة و الجماعة ؟ هل لأن هذا الفقه تأسس في فترة الدولة (و ليست خلافة) الاموية و العباسية ؟ يعني لم يخرج من يقول ان توريث الحكم كان بدعة ابتدعها الأمويين ؟ ألم تكن الخلافة شورى ؟؟ لماذا سكتوا ؟ لماذا انطلقت السنتهم فقط في تبديع كل من اختلف معهم في اي قضية دينية و سكتوا عن هذه القضية الكبرى ؟ محدش سأل مثلا لماذا كان حسني مبارك يضيق على الشيعة ؟ هل لأن مبارك كان حامي السنة في مصر أم لأن الفكر الشيعي ثوري بطبعه لذلك يجب اخماده خوفا من سيناريو الثورة الايرانية ؟ ده حتى مسرحية الحسين ثائرا و التي هي من تأليف الكاتب الكبير عبد الرحمن الشرقاوي كان تواجه الكثير من المتاعب لعرضها بحجة انها تظهر احد الصحابة أو أحد المبشرين بالجنة .. يا سلام .. بجد و الله؟؟ و بعدين الامام أحمد بن حبنل اعترض على المأمون في موضوع خلق القرآن .. طيب لو كان عايش في أيامنا مش كان ممكن يخرج في مظاهرة للتنديد بفكرة خلق القرآن ؟؟ لماذا يجب ان اظل مرتبطا بممارسات ناس عاشوا من مئات السنين ؟ الفكرة واحدة و هي الاعتراض على الحاكم بل و الرغبة في تغييره اذا اراد الشعب و لكن تتغير الأساليب . الظريف ان علماء السلطان كانوا دائما مع من غلب .. يعني الامويين يروحوا و ييجوا العباسيين ماشي مفيش مشاكل ..مع ان ده خروج على الحاكم ..بس مفيش مشاكل .. الدولة الفلانية تأتي مكان الدولة العلانية بانقلاب .. و ماله .. مش عيب .. و ينسى هؤلاء ان الحاكم اتى بانقلاب دموي و يبدؤا مرة اخرى في نشر الرعب من الخروج على الحكام .. ده وصل الى الأمر الى ان القول بأن الحاكم الظلوم (صيغة مبالغة في الظلم ) احسن من الفتنة و وصوفها بفتنة تدوم طبعا كأرباب الحزب الوطني و النظام لما هددوا الناس بالفراغ الدستوري و ضياع الأمن و اسرائيل و موزمبيق .. نفس الكلام و نفس الحجج ..سبحانك يا ربي
خامسا: طيب ليه المشايخ الحلوين يقولوا كده ؟ باختصار لأن هذا الوضع يدعم وجودهم و سلطتهم . بأن يظلوا موجهين للناس في كل شيء .. حتى في الطب اصبح المشايخ يتكلمون و كأنهم يفهمون فيعمليات القلب المفتوح .. مشايخ نجد و الصحراء و مشايخ الأنظمة في كل مكان مستفيدين طبعا من هذا الوضع طالما أن الأموال و الراضي و الضيع تنهال عليهم و المكارم الملكية لا آخر لها و طالما ان لهم سلطة بمن يسمونهم رجال الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يبقى لماذا يضعون انفسهم في موضع مساءلة ؟؟ هم راسبوتين هذا العصر و كل عصر .. لماذا يدعمون اي ثورة او على الأقل يقفوا على الحياد و ياتي بعد ذلك من يحجمون سلطاتهم في بلد لن تعرف بعد ذلك سوى القانون و ليس مجرمي حرب و أربا سجون و مختلين عقليا يفرضون مذهبهم و آرائهم الدينية على خلق ربنا ؟ لماذا يحاول أن يلهينا مشايخ السلطة في قضايا تافهة و فتاوى عقيمة ؟؟ واحد قبل زوجته في نهار رمضان يعمل ايه .. ما يولع .. هو ده اللي شاغلنا ؟ بس حد كان يقدر يقول حاجة عن التوريث ؟ حد يقدر يفتح بقه عن الفساد السياسي و الاداري و المالي ؟ ما هم لازم برضه ياكلوا عيش . طبعا أكثر من فقع مرارتي هم اولئك القابعين في مكاتبهم و على آرائكهم المريحة و يبدعون و يفسقون من يطالبون بالاصلاح و الدعوة الى المظاهرات .. بس اول لما الحاكم يسقط يبدؤا يطلعوا بلاويه و يشتموا فيه .. اليس عيبا ان يصدر هذا من رجال دين؟ و مع ان هيئة كبار العلماء بتاعت السعودية مشيت وراء آل سعود في مصايب كبرى و برروا لهم بالفتاوى و النصوص و بعد كده زعلانين ان اسميهم تجار افيون .؟؟
سادسا: هو كل واحد رفع يافطة و كتب هليها الخروج على الحاكم حرام اصبح خلاص فوق النقد ؟ يعني اعترض البعض على انني اتهم هؤلاء الناس و ان لهم سند ديني في ما يقولون و بالتالي خف عنهم؟؟ طيب ما هو سند ديني غلط اعمل ايه يعني ؟؟ هو كل واحد يهذي و يقول قال الله و قال الرسول يبقى عنده حصانة ؟ يعني يفرقوا في ايه عن كتاب الأهرام و لا الأخبار اللي هللوا لمبارك و حذروا و خونوا من يخرجون ضده و انقلبوا على مبارك و تاريخه اول لما خلع؟؟ هل لأنهم لا يستخدمون الحصانة الدينية في الدفاع عن آرائهم و بالتالي لحمهم مباح ؟ مع ااحترامي الشديد لهم .. زيهم زي غيرهم لا قداسة و لا حصانة لهم و هم ليسوا فوق النقد .. و كل يؤخذ منه و يرد الا صاحب هذا القبر في اشارة لقبر النبي كما قال الامام مالك.
سابعا: الم يكن الاساس في الحكم الاسلامي هو البيعة ؟ هل بايعنا هذا الحاكم او ذاك ؟ اذا كانت الانتخابات هي وسيلة البيعة في هذا العصر ..هل انتخبنا السيد الرئيس ؟ اذا كان انا لم رحت في 2005 علشان انتخب ايمن نور طلعوا عين اهلي ..يبقى فين شرعيته اصلا ؟ اليست البيعة هي العقد الاجتماعي بين الحاكم و الرعية ..طيب اذا لم تتح لي الفرصة لكي ابايع اصلا فكيف لهم ان يحرموا الخروج عليه (بافتراض ان الثورة خروج للمرة المليون)؟؟
ثامنا : ألا تتنافى الدعوة الى الصبر على الظلم مع مقاصد الشريعة الاسلامية ؟ الا يتنافى هذا مع القرآن الكريم الذي حذر من الظلم في اكثر من موضع بما في ذلك ظلم الانسان لنفسه ؟ لماذا لا يحق لنا ان نعيش بحقوق للانسان كبقية خلق الله ؟؟ هل يريدون ايصالنا لنقطة ان المسلم خانع مستسلم لا حق له في ان يعترض بل و ان يطالب بتغيير حكامه ؟ هل يريدون للدين ان يصبح افيونا ؟
و شكرا.
Filed under: مهازل،حال الناس،دين | 6 تعليقات »